استئناف تحرير الدرهم: خطوة مدروسة نحو سوق صرف أكثر مرونة بحلول 2026

 

أعلن والي بنك المغرب، عبد اللطيف الجواهري، عن استئناف المملكة لعملية تحرير سعر صرف الدرهم بشكل تدريجي ابتداءً من عام 2026، وذلك عقب توقف الخطة جراء تحديات جائحة كوفيد-19. في مقابلة له مع وكالة “بلومبرغ”، أوضح الجواهري خلال مشاركته في الاجتماعات السنوية لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي بواشنطن، أن التحرير سيشهد فك ارتباط الدرهم بسلة العملات الحالية المكونة من اليورو والدولار الأمريكي، نحو نظام أكثر مرونة يعتمد على قوى السوق.

وأكد الجواهري أن البنك المركزي المغربي قد استكمل الترتيبات التقنية لتنفيذ الانتقال تدريجياً، مع العمل على ضمان جاهزية المؤسسات المصرفية المحلية لاستيعاب هذا التغيير. المرحلة المقبلة تهدف إلى تمكين الدرهم من تحديد قيمته استناداً إلى العرض والطلب في السوق، لكن هذا الانتقال يتطلب وقتاً لتأهيل مختلف الأطراف المعنية، خصوصاً الشركات الصغيرة التي تمثل جزءاً كبيراً من الاقتصاد المغربي.

في سياق آخر، كشف الجواهري عن خطة لإصدار سندات سيادية باليورو بقيمة تصل إلى مليار دولار، يتوقع طرحها في الأسواق مطلع عام 2025، رغم أن توقيت هذا الطرح قد يتأثر بالتطورات السياسية العالمية مثل الانتخابات الرئاسية الأمريكية وتأثيراتها المحتملة على منطقة الشرق الأوسط. كما أشار إلى نية المغرب إطلاق سوق للمقايضات المالية خلال العام المقبل، وذلك ضمن مساعيه لتطوير الأدوات المالية وتعزيز جاذبية الاقتصاد للمستثمرين.

وفي تعليق حول هذه الخطوات، أكد المحلل الاقتصادي، زكريا فيرانو، أن التحرير التدريجي لسعر الصرف يمثل مساراً حذراً في ضوء التحديات القائمة. وأشار فيرانو إلى ضرورة النظر بعناية لتأثير هذه الخطوة على الشركات الصغيرة والمتوسطة والأفراد، حيث تفتقر بعض الشركات إلى الخبرة اللازمة للتعامل مع مخاطر أسعار الصرف، مما قد يؤثر سلباً على أدائها.

ووفقاً للمحلل، فإن الوصول إلى سعر صرف مرن يُعد ضرورة لتحسين تنافسية الاقتصاد الوطني، شريطة ضمان الاستعداد الكامل للقطاع البنكي لمواجهة أي تقلبات. ويدعم البنك المركزي المغربي ووزارة المالية قيمة العملة المغربية، وهي خطوة أساسية لحماية الاقتصاد من تداعيات التقلبات الدولية، خاصة في ظل اعتماد المغرب الكبير على واردات الطاقة والمواد الأولية.

يرى فيرانو أن تبني سعر صرف مرن قد يكون مبرراً في ظل صدمات الأسعار الخارجية، إلا أنه دعا إلى مزيد من التروي، مشيراً إلى أن المغرب يختلف عن الدول النفطية المعتمدة على تصدير المواد الطاقية. وأوضح أن التحول السريع وغير المدروس قد يؤدي إلى انخفاض قيمة الدرهم، مما يرفع تكلفة الواردات ويضعف الاقتصاد.

أكد فيرانو على صلابة النظام البنكي المغربي، لكنه دعا إلى تعزيز الجاهزية للتعامل مع تحديات تحرير سعر الصرف، لتجنب سيناريوهات مماثلة لدول كتركيا ومصر التي شهدت ارتفاع التضخم بعد تبني سياسات صرف مرنة. وأضاف أن هذه الخطوات، وإن كانت مدعومة من مؤسسات مالية دولية كصندوق النقد والبنك الدولي، ينبغي أن تنفذ بحذر لضمان استدامة الاقتصاد.

بهذا، يتجه المغرب نحو تحرير مدروس لسعر صرف الدرهم، مما يعكس التزامه بتعزيز القدرة التنافسية الاقتصادية، عبر خطوات تستند إلى رؤية شاملة ومستدامة للتنمية الاقتصادية.

تعليقات

Exit mobile version