تتواصل واحدة من أكثر الفضائح الأخلاقية التي تنخر قطاع الصحة الخاص في المغرب: ظاهرة “النوار” أو مبالغ الدفع تحت الطاولة، التي تُفرض على المرضى دون أي سند قانوني أو محاسبي، في خرق فاضح للقانون وللأخلاقيات الطبية. ورغم تزايد الشكايات، تتعامل الجهات الوصية بكثير من الصمت، وكأن الأمر لا يعنيها، تاركة آلاف المواطنين تحت رحمة جشع بعض الأطباء والمصحات التي حولت الألم الإنساني إلى تجارة أكثرها غير معلن.
مدينة الدار البيضاء كانت، من جديد، مسرحًا لثلاث وقائع جديدة كشفتها مصادر مطلعة لـ”الصباح”، تؤكد أن بعض المصحات الخاصة تبتز المرضى بشكل مباشر: لا وثائق خروج، لا استكمال لإجراءات التأمين، ولا تسليم للملف الطبي إلا بعد دفع مبالغ مالية نقدية للأطباء الجراحين… مبالغ لا تظهر في أي فاتورة ولا في أي سجل محاسبي، لأنها بكل بساطة أموال خارج القانون.
الخطير في ذلك أن هذه الممارسات أصبحت “منهجًا” وليس حالات معزولة ،أطباء يطلبون المال قبل العملية، آخرون يشترطونه عند المغادرة، وإداريون يتولون الوساطة… والكل يشتغل في الظلام، بلا تتبع، بلا محاسبة، بلا مخافة من قانون يعيش على رفوف المؤسسات الصحية.
ضحايا هذا الابتزاز وصفوه بـ”خلاص اليدين”، حيث يدفع المريض مبالغ مهمة داخل مكاتب الأطباء أو عبر وسطاء من داخل المصحة، في غياب أي وصل أو توثيق رسمي. إنها سوق سوداء بكل المقاييس، تُمارَس داخل فضاءات يفترض أنها أماكن للعلاج والرحمة والإنسانية.
السؤال الجوهري اليوم: أين هي وزارة الصحة؟ أين لجان التفتيش؟ أين المحاسبة؟
وكيف يمكن السكوت عن ممارسات تستغل أوجاع المرضى وتضرب في قلب ثقة المواطنين في قطاع يتغذى من جيوبهم قبل أن يعالج أجسادهم؟
إن استمرار ظاهرة “النوار” بهذا الشكل يفضح هشاشة الرقابة وغياب الحوكمة في قطاع حساس، ويطرح بإلحاح ضرورة فتح تحقيق وطني شامل، ومساءلة كل المتورطين في هذه الممارسات التي لا تليق ببلد يسعى إلى إصلاح منظومته الصحية.
