التجارة الإلكترونية في المغرب ..النساء يهتممن بالجمال والموضة والرجال بالطعام والتكنولوجيا

دخل المغرب بجرأة في عصر التجارة الرقمية. خلال خمس سنوات، ارتفع عدد المغاربة الذين قاموا بإجراء شراء واحد على الأقل عبر الإنترنت بنسبة 65 %، من 15,1 % في 2019 إلى 24,9 % في 2024. بعبارة أخرى، أصبح ربع السكان الآن زبناء للتجارة الإلكترونية، أي ما يقارب 3,7 مليون مشتري جديد.
تؤكد هذه القفزة المثيرة، التي كشفت عنها المسح الوطني لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات 2024-2025 من الهيئة الوطنية لتقنين المواصلات، تحول عادات الاستهلاك، مدعومة بالانتشار الواسع للهاتف الذكي، وتحسن جودة الإنترنت، وثقة أكبر تجاه المنصات الرقمية.
نمو مزدوج الرقم يضع المغرب في مقدمة القارة الإفريقية
تجاوز حجم التجارة الإلكترونية الكلي 22 مليار درهم في 2023، مسجلا نموا سنويا متوسطا يتجاوز 30 % خلال السنوات الخمس الأخيرة. وفقًا لتوقعات بوابة Statista، فإن هذه الديناميكية لن تتراجع: من المتوقع أن ينمو سوق التجارة الإلكترونية المغربي بنسبة 10,5 % سنويًا حتى 2029 ليصل إلى ما يقارب 24 مليار درهم من العائدات ونحو 10 ملايين مستخدم.
وهكذا، يبرز المغرب كأحد القادة الأفارقة في هذا القطاع، بفضل ازدهار التجارة عبر الهاتف المحمول، وزيادة قوة الأسواق الإلكترونية، وتنويع قنوات الشراء، لاسيما عبر وسائل التواصل الاجتماعي (Facebook Marketplace، Instagram Shops، TikTok).
من الشراء العرضي إلى العادة المستقرة
إشارة أخرى على النضج هي انتظام عمليات الشراء. في 2024، 76 % من المتسوقين عبر الإنترنت المغاربة يقومون بإجراء بين اثنتين وخمس طلبات سنويًا، مقارنة بـ51 % في 2019. كما أن “المشترين الكبار” – الذين يقومون بأكثر من عشر طلبات سنويًا – أصبحوا الآن ثلاثة أضعاف ما كانوا عليه منذ خمس سنوات. في المقابل، انخفضت عمليات الشراء العرضية بشكل كبير، مما يدل على أن التجارة الإلكترونية أصبحت رد فعل أكثر من كونها استثناء.
تظل الفئة الشابة الحضرية هي المحرك لهذه الديناميكية. هم مترابطون بشكل كبير ويستخدمون الهواتف المحمولة لكل شيء: المقارنة، الطلب، الدفع، ومتابعة توصيلاتهم.
أكثر ما يشتريه المغاربة
تسود النساء في فئات الموضة والجمال: 77 % يشترين الملابس، الأحذية أو الإكسسوارات، و42 % يشترين المنتجات التجميلية. في المقابل، يفضل الرجال المواد الغذائية، السفر، والتكنولوجيا: 43 % يشترون المواد الغذائية، 29 % يقتنون تذاكر السفر أو الحجوزات، و23 % يشترون الأثاث أو المعدات المعلوماتية.
الثقة تتزايد، لكن الدفع عند التسليم يبقى الملك
على الرغم من تزايد الثقة، لا تزال عادات الدفع تعكس بعض الحذر. يظل الدفع عند التسليم هو الخيار الأكثر شيوعًا حيث يحظى بتأييد 84 % من المشترين، بعيدًا عن بطاقة الائتمان (43 %) أو حلول الدفع عبر الإنترنت (9,9 %). فيما يخص اللوجستيك، يتم توصيل ما يقارب 9 عمليات توصيل من أصل 10 مباشرة إلى المنازل، مقابل 77 % في 2019.
يمكن تفسير هذه الأداء من خلال تعزيز شبكات التوزيع، احترافية خدمات التوصيل، وتحسين الخدمات في المناطق القروية التي أصبحت متصلة بشكل أفضل.
قطاع في طريقه نحو الهيكلة
استجابة لهذه الدينامية، تعمل السلطات العمومية على تنظيم وهيكلة النظام البيئي. يقوم وزارة الصناعة والتجارة، بالتعاون مع وزارة الانتقال الرقمي، بمراجعة القانون رقم 31.08 المتعلق بحماية المستهلك، لتكييف الإطار القانوني مع خصوصيات المعاملات الرقمية وتعزيز الشفافية.
تُعَدّ دراسة وطنية حول التجارة الإلكترونية قيد الإعداد لرسم صورة كاملة عن الوضع الحالي واقتراح خطة عمل تهدف إلى إزالة العقبات التي تعترض التنمية.
تكوين ودعم التجار
ليس مجال التكوين غائبًا عن الركب. يستفيد الآلاف من التجار اليوم من برامج دعم في التسويق الرقمي. يُعَد برنامج Moroccan Retail Tech Builder (MRTB) مثالًا بارزًا على ذلك: حيث يدعم الآن أكثر من 160 شركة ناشئة، وتستهدف مرحلته الثانية (2025-2027) توسيع تأثيره أكثر.
الهدف هو تسهيل رقمنة التجارة المحلية وتشجيع استخدام الخدمات المالية الرقمية.
نحو قفزة نوعية في التجارة المغربية
مع قرابة 90 % من السكان المتصلين وسوق التجارة الإلكترونية في حالة ازدهار، يدخل المغرب مرحلة جديدة من النضج الرقمي. لم يعد مجرد ظاهرة هامشية، بل أصبح عمودًا هيكليًا في الاقتصاد الوطني.
إن المزج بين الإصلاح التشريعي، وزيادة تأهيل اللاعبين، وتطوير اللوجستيك يفتح الطريق نحو تجارة إلكترونية شاملة وقادرة على المنافسة، قادرة على تحويل النسيج التجاري للمملكة بشكل مستدام.






