تجارة القرب تسرع من تحولها الرقمي

يشهد التجارة المحلية تحولاً سريعاً، مدفوعاً بالتحول الرقمي لأسواق التوزيع والطلب المتزايد من المستهلكين على خدمات التوصيل إلى المنازل.
تشير هذه الديناميكية إلى مرحلة جديدة في تطور عادات الشراء على المستوى المحلي. إذ أصبح بإمكان المتاجر الكبرى في المدن الكبرى تقديم خدمات الطلب عبر الإنترنت من خلال تطبيقات الهواتف المحمولة، مع إمكانية اختيار أوقات محددة، تتبع الشحنات في الوقت الحقيقي والاستفادة من فترات توصيل مختصرة.
تذهب بعض العلامات التجارية أبعد من ذلك من خلال تقديم سلال مخصصة لتلبية احتياجات العملاء بشكل أفضل.
كما لم تتخلف المتاجر الصغيرة عن الركب. فقد اندمجت العديد من المحلات مثل متاجر البقالة، والصيدليات، ومطاعم الوجبات السريعة في منصات محلية للتوصيل، ما يتيح للمستهلكين الوصول إلى مجموعة متنوعة من المنتجات الغذائية، والوجبات، أو الأدوية بنقرات قليلة.
هذه التطورات ممكنة بفضل تزايد دور مقدمي الخدمات اللوجستية المحليين الذين يضمنون تغطية المناطق الحضرية وضواحيها بأسعار معقولة، تتراوح عادة بين 20 و 25 درهماً. كما ساهم ظهور مستودعات صغيرة ونقاط تجميع في الأحياء في تحسين لوجستيات الميل الأخير.
قال الخبير في التحول الرقمي والذكاء الاصطناعي، محسن بنخالدون: “لقد غيرت الرقمنة جذرياً نشاط التجار الصغار. فقد تمكن الكثير منهم من توسيع قاعدة عملائهم وتحديث أساليب عملهم بالاعتماد على الأدوات الرقمية. وهذا يمكنهم اليوم من البقاء تنافسيين أمام العلامات التجارية الكبرى”.
وفي تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، أشار إلى أن التحدي اللوجيستي الأساسي يبقى في تقديم خدمة فعالة إلى المناطق النائية.
وأوضح قائلاً: “يظل الميل الأخير أحد التحديات الرئيسية. لكن إنشاء مستودعات ثانوية، وتحديد جولات ثابتة، ونمو نقاط التجميع، يساعد في التعامل مع هذه القضية بشكل فعال”.
وأشار بنخالدون إلى أن العوامل التي ساهمت في هذا الانتقال تتمثل في تطور التجارة الإلكترونية المحلية في المدن الصغيرة، والتي تأتي نتيجة تحول مزدوج: تحول في الاستخدامات مدفوع بالتكنولوجيا، وتغير في توقعات المستهلكين.
وفقاً له، فإن ارتفاع معدل انتشار الهاتف الذكي في المغرب، جنباً إلى جنب مع الاستخدام الواسع لأدوات الاتصال ووسائل التواصل الاجتماعي مثل واتساب وإنستغرام، قد ساعد في ظهور قنوات بيع غير رسمية لكنها فعالة ومترسخة في الواقع المحلي.
وبخصوص استدامة هذا النموذج، أكد الخبير على أهمية تكثيف تدفقات الخدمات اللوجستية، وتدريب الموزعين، وتعزيز مهارات التجار.
وأضاف: “دون وجود خدمة تسليم موثوقة وتطبيق سهل الاستخدام لتتبع الطلبات، يواجه التجارة الإلكترونية المحلية صعوبة في تحقيق إمكاناتها الكاملة”.
هذا النموذج الهجين، الذي يجمع بين التجارة الفعلية والرقمية، يعيد أيضاً تعريف دور التاجر المحلي. فقال بنخالدون: “نشهد إعادة تعريف للدور التاريخي للبقال، الذي أصبح اليوم حلقة مركزية في نظام رقمي محلي. على المدى الطويل، قد يؤدي هذا إلى ظهور أنظمة مصغرة متكاملة تضم التجار، والمنصات، والموزعين، والعملاء”.
وأضاف أن استجابة الشباب المتصل بالخدمات الرقمية تمثل عنصراً محفزاً للطلب، مما يدفع التجار إلى الابتكار بشكل أكبر.
تتجلى آثار هذا التحول على عدة مستويات. في حين أنه يساعد التجار على ولاء عملائهم، وتحسين مخزونهم وزيادة رقم معاملاتهم، تسهم الرقمنة أيضاً على نطاق المدن في تسهيل حركة المرور، وتقليل التنقلات، وتعزيز تتبع التدفقات.
في هذا السياق الملائم، تعزز العلامات التجارية الكبرى أيضًا من ترسيخ وجودها المحلي من خلال الاستثمار في وسائل التوصيل الأكثر كفاءة.
تتيح لهم هذه الخدمات ليس فقط تلبية الطلب المتزايد، ولكن أيضاً تعزيز العلاقة مع العملاء، وجمع البيانات المفيدة لتحسين العروض، وكسب ولاء عملاء معتادين بشكل متزايد على راحة الخدمات الرقمية.
أما بالنسبة للمستهلكين، فهي تعد فرصة لتوفير الوقت واستجابة فعالة لاحتياجاتهم، مما يجعل تجربة التسوق السلسة والسريعة والمخصصة معيارًا جديدًا يتكيف معه حتى أولئك الأكثر ارتباطاً بالتجارة التقليدية تدريجياً.