المحاكاة الطبية: ثورة تكنولوجية في تكوين أطباء المستقبل بالمغرب

تُشكّل المحاكاة الطبية اليوم إحدى الأدوات البيداغوجية الأكثر تطورًا في كليات الطب والصيدلة بالمغرب، حيث تجمع بين التقنيات الحديثة والتدريب العملي لإعداد أطباء أكفاء قادرين على التعامل مع مختلف الحالات السريرية والجراحية. ويؤكد عمداء وأساتذة الطب أهمية هذه التقنية في تحسين جودة التكوين الطبي ومواكبة الأطباء في طور التخصص، خصوصًا في المجالات الجراحية، مما يسهم في تهيئتهم بشكل أفضل للاستجابة لاحتياجات المرضى في المستشفيات العمومية.
المحاكاة الطبية ليست مجرد أسلوب تدريبي، بل هي تقنية متطورة تضع الطلبة في سيناريوهات واقعية تُحاكي بيئة المستشفيات وظروف العمل الحقيقية. ووفقًا للبروفيسور محمد موهاوي، أستاذ بكلية الطب والصيدلة بالدار البيضاء، فإن “مركز المحاكاة في علوم الصحة بالدار البيضاء، وهو أول مركز من نوعه في المغرب، يُتيح للطلبة إجراء تدريبات عملية ضمن مسارهم التكويني، مما يجعلهم أكثر استعدادًا للانتقال من الدراسة النظرية إلى الممارسة السريرية”.
وأضاف موهاوي أن هذا المجال شهد تطورًا ملحوظًا خلال السنوات الأخيرة، بفضل إدماج الذكاء الاصطناعي والتدريب عن بُعد، إلى جانب تقنيات الواقع الافتراضي التي تتيح للطلبة محاكاة عمليات التشخيص والعلاج في بيئة آمنة ومتحكم فيها.
في السياق ذاته، أكد عبد الله أولمعطي، عميد كلية الطب والصيدلة بطنجة، أن تطوير التكوين الطبي بالمغرب يُمثل أولوية، حيث يتم بدعم من وزارة الصحة وجامعة عبد المالك السعدي، تخصيص ميزانيات هامة لاقتناء أحدث المعدات والتجهيزات، مثل أجهزة التنفس الاصطناعي وأدوات الجراحة بالمنظار. ويهدف ذلك إلى تحسين تجربة التعلم لدى الطلبة وإعدادهم لمواجهة التحديات الحقيقية في المستشفيات.
من جانبه، أشار الدكتور عزيز الماضي، أخصائي جراحة الأطفال بالمستشفى الجامعي بطنجة، إلى أن المركب الجراحي التابع لمختبر الجراحة التجريبية بالكلية يوفر بيئة تدريبية متكاملة للأطباء في طور التخصص، حيث يتمكنون من محاكاة العمليات الجراحية بدقة عالية، مما يعزز مهاراتهم التقنية ويؤهلهم للتعامل مع الحالات المعقدة.
وفي إطار السعي لتكوين أطباء قادرين على تلبية متطلبات المواطنين المغاربة، شدد البروفيسور هشام السباعي، أستاذ التعليم العالي في الإنعاش والتخدير، على أن “مركز المحاكاة السريرية والابتكار البيداغوجي في علوم الصحة” بكلية الطب والصيدلة بطنجة يوفر بيئة متكاملة للتكوين والبحث العلمي. ويُضيف السباعي أن المركز لا يقتصر على تدريب الطلبة، بل يُسهم أيضًا في تطوير أبحاث علمية تُتداول على نطاق أوسع مع مراكز دولية، مما يعزز مكانة المغرب في مجال التعليم الطبي.
تشكل المحاكاة الطبية ثورة حقيقية في التعليم الطبي بالمغرب، حيث تجمع بين أحدث التقنيات والتدريب العملي لتعزيز كفاءة الأطباء المستقبليين. ومع تزايد الاستثمار في هذا المجال، يبدو أن كليات الطب والصيدلة تسير بخطى ثابتة نحو إعداد جيل جديد من الأطباء يتمتعون بالمهارات التقنية والسريرية اللازمة، مما سينعكس إيجابًا على جودة الخدمات الصحية المقدمة للمواطنين.