آخر الأخبار

نحو 2030: الرأسمال الاستثماري المغربي يسلك طريق التحول الاقتصادي

 

في أجواء من الطموح والإصرار، شهدت الدار البيضاء يوم 30 ماي 2025 انعقاد المؤتمر السنوي للجمعية المغربية للمستثمرين في الرأسمال (AMIC)، حيث تم تقديم دراسة استراتيجية أنجزت بشراكة مع شركة Strategy& تحت عنوان “الرأسمال الاستثماري، المسار التحويلي الجديد في أفق عام 2030”. هذه الوثيقة الطموحة ترسم معالم مستقبل قطاع الرأسمال الاستثماري بالمغرب، وتدعو إلى تعبئة جماعية لتحويله إلى رافعة استراتيجية للنمو والتنمية الاقتصادية المستدامة.

تمر المملكة المغربية بمرحلة انتقالية استراتيجية مدعومة بمؤشرات اقتصادية مشجعة وتطورات كبرى على مستوى البنية التحتية والسياسات العمومية. وتأتي أهداف النموذج التنموي الجديد، الذي يسعى إلى رفع حصة الاستثمار الخاص إلى الثلثين، لتعكس الرغبة في إعادة التوازن بين مصادر التمويل وتعزيز القطاع الخاص كمحرك أساسي للنمو.

ويعزز هذا التوجه ما تعرفه الشركات المغربية، خصوصًا الصغيرة والمتوسطة، من دينامية واضحة، حيث ارتفع عدد الشركات المصدرة منها بأكثر من 30٪ بين سنتي 2016 و2022، مستفيدة من تنويع الشركاء الاقتصاديين وتطور القدرات الصناعية.

كما يشكل أفق سنة 2030، الذي يتزامن مع احتضان المغرب لكأس العالم لكرة القدم، محطة مفصلية، مدعومة بمشاريع ضخمة تشمل الانتقال الطاقي والتحول الصناعي والتنمية الرقمية، ما يفتح الباب أمام فرص استثمارية واعدة وجاذبة.

تشير أرقام الدراسة إلى تسارع واضح في وتيرة تطور قطاع الرأسمال الاستثماري. فقد تضاعف عدد شركات التدبير من 20 في 2014 إلى أكثر من 40 في 2025. كما تضاعف حجم رأسمال التمويل ثلاث مرات، ليبلغ 3.9 مليار درهم سنة 2024، مما يمثل تحسناً في التوازن المالي للقطاع مقارنة بالناتج الداخلي الخام.

وسجلت المبالغ المستثمرة أو المعاد استثمارها بدورها ارتفاعًا كبيرًا، كما شهدت عمليات تصفية الاستثمارات تسارعًا ملحوظًا، ما يعكس نضج السوق وتحسن سيولته. ويبرز في هذا السياق دور صندوق محمد السادس للاستثمار كمحفز رئيسي، إذ يُقدّر تأثيره المضاعف بثلاثة أضعاف، مما يوسع قاعدة المستثمرين ويعزز جاذبية القطاع.

رغم التقدم المحقق، ما زالت هناك تحديات تعيق الوصول الكامل إلى إمكانات القطاع. فالتركيز الكبير على مساهمات الأقلية، التي ارتفعت إلى 94٪ من قيمة الصفقات، يحد من تأثير المستثمرين. كما أن غياب التمويل الكافي في الشريحة الاستثمارية المتوسطة (20-100 مليون درهم) يخلق فجوة تمويلية تعيق تطور الشركات الناشئة والصاعدة.

ورغم الإصلاحات القانونية والتنظيمية التي عرفها القطاع، ما تزال هناك عراقيل ضريبية وتنظيمية تؤثر على فعالية الهيئات المستثمرة، إلى جانب ضعف تعبئة المستثمرين المحليين، خاصة المؤسسات الكبرى ومكاتب العائلات، ما يفرض الحاجة إلى توسيع وتنويع قاعدة المستثمرين.

لتحقيق الأهداف المرجوة، تقترح الدراسة خارطة طريق قائمة على ثلاث ركائز استراتيجية:

  1. تعزيز الاستثمار المحلي عبر رفع حصة المؤسسات المغربية في عمليات الاكتتاب إلى 70٪، وتحفيز مشاركة مكاتب العائلات، ودعم الشركات ذات إمكانات النمو العالي.
  2. زيادة الجاذبية للمستثمرين الدوليين من خلال تمكين الشركات المغربية من الانفتاح على الأسواق الخارجية عبر شراكات استراتيجية.
  3. بناء شراكة مؤسسية جديدة بين القطاعين العام والخاص، تقودها الجمعية المغربية للمستثمرين في الرأسمال، لضمان تطوير منسجم وفعال للقطاع.

لا تنحصر رؤية الفاعلين في جعل الرأسمال الاستثماري أداة لتمويل المشاريع، بل يرونه وسيلة لبناء شركات أقوى وأكثر تنافسية ومسؤولية. فهو في قلب طموح يرمي إلى خلق القيمة، وتحفيز الابتكار، وتنمية المهارات، ودعم فرص الشغل، وترسيخ السيادة الاقتصادية.

وتبقى هذه الرؤية مرهونة بالتزام مشترك من جميع الأطراف: المستثمرين، والسلطات العمومية، والهيئات التنظيمية، من أجل تحويل القطاع إلى ركيزة استراتيجية لمغرب المستقبل.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى